السلام عليكم وأهلا بكم! انا حسن رضوان وهذه رحلتي من الإسلام الى اللادينية
ولدت في إنكلترا عام 1959، والدي عزيز رضوان من مصر ووالدتي ماري ماجسون من إنكلترا. كان والدي مسلماً لكنه لم يكن متديناً جداً، مع ذلك عندما تزوج من والدتي أصر عليها باعتناق الإسلام وتربينا على دين الإسلام. عندما كنا صغارا استأجر والدي شيخا تونسيا لتعليمنا اللغة العربية وحفظ القرآن . لم ألتزم بالإسلام في شبابي حتى اقتربت من سن العشرين حينما بدأ عندي الارتباك حول هويتي وسألتُ نفسي أسئلة مثل من أنا؟ ما هو معنى حياتي؟ ما هو هدفي؟ ثم صادفتني سلسلة من الأحداث جعلتني أستعرض الديانة التي تربيت بها
أولها كانت الثورة الاسلامية في إيران، أتذكر مشاهدة المعارك في شوارع طهران على شاشات التلفزة، وشجاعة الشعب أمام حرس الشاه المدججين بالسلاح، لقد وجدت الصور مثيرة وكنت واعيا أيضا أن دين الإسلام لعب دورا مهما في تحفيزهم إلى ذلك
واجهني مثال آخر من قوة الإيمان عندما عاد صديقي المقرّب من رحلة ليُعلِن أنه وجد يسوع وأصبح مسيحيا بعد أن كان ملحداً. حاول صديقي إقناعي بالمسيحية، ولكن حينما شرح لي عقائدها مثل الثالوث والخطيئة الأصلية والكفارة أدركت أنها مفاهيم غير منطقية لم أستطع أن أؤمن بها
ولم يمض زمن طويل حتى جاء حدث آخر في هذه السلسلة عندما رأيت المغني المشهور "كات ستيفنز" على شاشة التلفزة يعلن أنه اعتنق الإسلام، وغيّر اسمه إلى يوسف إسلام واعتزل صناعة الموسيقى، فدهش الجمهور بإعراضه عن الشهرة والمال من أجل الإسلام ولكنه أثار فضولي وشجّعني على إعادة النظر في ديني
كانت الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة من الأحداث زيارتي إلى مصر مع والدي . أقمنا بشقة عمي في القاهرة . كان رجلا متدينا وسرعان ما دخلنا في مناقشات حول الدين وأعطاني نسخة من القرآن والتمس مني الوعد بقراءتها، وفي اليوم التالي جلست أقرأ القرآن كما وعدته بقصد قراءة بضع صفحات فقط ولكني وجدت شيئا من الانجذاب والراحة في قراءته فلم أستطع التوقف عنه
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ
إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ
فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا
جَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا
أثرت الكلمات في نفسي تأثيرا عاطفيا وشعرت بقوة غريبة في قلبي حتى سالت من عيني الدموع وكنت على يقين أن الله يخاطبني من خلال هذه الصفحات وأني قد اكتشفت معنى حياتي الذي كنت أبحث عنه. عُدت إلى إنكلترا مليئأً بالحماس والتصميم على الانغماس في ديني
عند عودتي إلى إنكلترا درست اللغة العربية والتأريخ الإسلامي في جامعة لندن وكان تخصصي تفسير القرآن والشعر الجاهلي، وقد كان من بين الأساتذة الذين تلقيت دروسًا عنهم الدكتور عبد الحليم صاحب الترجمة الشائعة للقرآن والدكتور "ديفيد كوان" المسلم الإنجليزي الذي كتب كتاباً مشهوراً عن قواعد اللغة العربية والدكتور "جون وانسبرو" مؤلف كتاب "الدراسات القرآنية". كنت حريصا على تعلم كل ما بوسعي عن الإسلام وأصبحتْ مكتبة الجامعة كبيتي الثاني وكنت أسهر للدراسة فيها حتى يطلب مني أُمناء المكتبة الخروج منها وقت الإغلاق. خلال السنة الثانية في الجامعة أصبحتُ رئيس الجمعية الإسلامية وقمت بإنشاء كشكٍ للكتب الإسلامية وحصلت على موافقة من سلطات الجامعة على إستخدام غرفةٍ للصلاةِ اليومية ولصلاةِ الجمعة
كنت حريصا أيضا على دعوة الناس إلى الإسلام خارج الجامعة وحضرت حلقات إسلامية في مساجد وبيوت وأصبحت أمير إحدى تلك الحلقات تسمى: جمعية الدعوة
ذات يوم دعاني أحد الأصدقاء لحضور إجتماع معروف ب"جماعة التبليغ" وهي حركة تهدف إلى إعادة المسلمين إلى الطريق الصحيح، عقد الاجتماع في مسجد شمال إنكلترا وأقمنا فيه لمدة أسبوعين ليلا ونهارا منعزلين عن المجتمع الدنيوي. قضينا كل يوم في الاستماع إلى محاضرات وفي الصلاة وقراءة القرآن، لم نخرج إلا لندعو بعض سكان المدينة إلى الحضور لاستماع المحاضرات . هذه التجربة أثَّرت فيَّ تأثيرا عميقا وعندما حان الوقت للعودة إلى بيتي أصبح همي كله مركزاً على الآخرة وعبادة الله وإقامة أوامره واجتناب نواهيه، فلم أؤدِّ الفرائض فقط بل بذلت أقصى جهدي لقيام بكل سنة ونافلة أيضا
تزامنت صحوة إيماني مع صحوة منتشرة بين المسلمين في إنكلترا في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، ومن دوافع تلك الصحوة عدة عوامل مثيرة في العالم الإسلامي حينذاك مثل الثورة الاسلامية في إيران والغزو السوفييتي لأفغانستان والغزو الإسرائيلي للبنان ومذبحةِ صبرا وشاتيلا، ولعل من أهم هذه العوامل تمويل الدعوة الاسلامية من قبل المملكة السعودية، الأمر الذي أدى إلى انتشار العقيدة السلفية في كل ركن من أركان العالم وظهور ظاهرة الطوائف السياسية مثل حركات الجهاد وحركات الخلافة
خلال هذه السنوات تزايد عدد المسلمين الراجعين إلى الإلتزام بدينهم وازدحمت حلقتنا "جمعية الدعوة" وقمنا بتنظيم أنشطة كثيرة منها رحلات التخييم وزيارات المتاحف وحفلات إفطار ونشر مجلة إسلامية قمتُ بتحريرها. في عام 1988 نشر سلمان رشدي روايته "الآيات الشيطانية"، لم أسمع عنها حتى حضر أحد أعضائنا جمعية الدعوة مع اقتباسات منها وبعد قراءتها قررنا أن نكتب رسائل للناشر نطالب بسحب الكتاب من البيع بسبب إساءته للرسول. أثارت القضية مشاعر المسلمين واهتمامهم بالشؤون السياسية واعتمد الكثير منهم سياسات أكثر عدوانية نتيجة لذلك. كان من بين الذين حضروا جمعيتَنا "فريد قاسم" المتحدث باسم حزب التحرير، كان يعتقد أنَّ الحل الوحيد للمشاكل التي تواجه الأمة هو إقامة الخلافة الإسلامية وكان له حماسة قوية لدرجة أنه ترك حزب التحرير لتأسيس حزب أكثر تشددًا يسمى "المهاجرون" مع زميله عمر بكري
يحث الإسلام على الزواج فهو يعد نصف الدين، لذلك كان يأتيني أحيانا من ينصحني بالزواج ومنهم سيدة مصرية يُطلق عليها "الأخت الشريفة"، والتي كانت دائما في المسجد "ريجنتس بارك" تعمل كوسيطة للزواج حيث كانت تقف عند مدخل المسجد تسأل كل فتاة عند دخولها "اِنتِ متجوزة؟" فإذا أجابت "لا" حاولت "الأخت الشريفة" أن تبحث عن شاب مناسب لها، هكذا هي جاءت الى منزل والدي يوما من الأيام بفتاة كانت باعتبارها مناسبة لي، فقابلنا أهلها وأعجبنا ببعضنا البعض ولم يمض وقت طويل حتى تزوجنا
رُزِقْتُ بخمسة أولاد ولكن توفيت بنتي "هدى" الرضيعة في المستشفى بعد أسبوع من ولادتها، الأمر الذي أصابني بألم شديد ولكن قلت لنفسي أن وراء كل بلاء حكمة ورحمة وربما السبب تقصيري في شيء فعزمت على أن أبذل كل جهدي لأحاول إصلاح عملي وعبادتي
بعد تخرجي من الجامعة أكملت دراسات عليا في التعليم وحصلت على وظيفة مدرس في المدرسة الإسلامية التي أسسها يوسف إسلام. كنتُ في ذروة إيماني خلال هذه الأيام وفي أكثر المراحل نشاطا في المجتمع البريطاني المسلم وقضيت خمسة عشر عامًا كمدرس في المدرسة الإسلامية وكتبت خلال ذلك الوقت روايتين للأطفال المسلمين ومجموعتين من المسرحيات الإسلامية مقتطفة من قصص تقليدية إسلامية
ولدت في إنكلترا عام 1959، والدي عزيز رضوان من مصر ووالدتي ماري ماجسون من إنكلترا. كان والدي مسلماً لكنه لم يكن متديناً جداً، مع ذلك عندما تزوج من والدتي أصر عليها باعتناق الإسلام وتربينا على دين الإسلام. عندما كنا صغارا استأجر والدي شيخا تونسيا لتعليمنا اللغة العربية وحفظ القرآن . لم ألتزم بالإسلام في شبابي حتى اقتربت من سن العشرين حينما بدأ عندي الارتباك حول هويتي وسألتُ نفسي أسئلة مثل من أنا؟ ما هو معنى حياتي؟ ما هو هدفي؟ ثم صادفتني سلسلة من الأحداث جعلتني أستعرض الديانة التي تربيت بها
أولها كانت الثورة الاسلامية في إيران، أتذكر مشاهدة المعارك في شوارع طهران على شاشات التلفزة، وشجاعة الشعب أمام حرس الشاه المدججين بالسلاح، لقد وجدت الصور مثيرة وكنت واعيا أيضا أن دين الإسلام لعب دورا مهما في تحفيزهم إلى ذلك
واجهني مثال آخر من قوة الإيمان عندما عاد صديقي المقرّب من رحلة ليُعلِن أنه وجد يسوع وأصبح مسيحيا بعد أن كان ملحداً. حاول صديقي إقناعي بالمسيحية، ولكن حينما شرح لي عقائدها مثل الثالوث والخطيئة الأصلية والكفارة أدركت أنها مفاهيم غير منطقية لم أستطع أن أؤمن بها
ولم يمض زمن طويل حتى جاء حدث آخر في هذه السلسلة عندما رأيت المغني المشهور "كات ستيفنز" على شاشة التلفزة يعلن أنه اعتنق الإسلام، وغيّر اسمه إلى يوسف إسلام واعتزل صناعة الموسيقى، فدهش الجمهور بإعراضه عن الشهرة والمال من أجل الإسلام ولكنه أثار فضولي وشجّعني على إعادة النظر في ديني
كانت الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة من الأحداث زيارتي إلى مصر مع والدي . أقمنا بشقة عمي في القاهرة . كان رجلا متدينا وسرعان ما دخلنا في مناقشات حول الدين وأعطاني نسخة من القرآن والتمس مني الوعد بقراءتها، وفي اليوم التالي جلست أقرأ القرآن كما وعدته بقصد قراءة بضع صفحات فقط ولكني وجدت شيئا من الانجذاب والراحة في قراءته فلم أستطع التوقف عنه
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ
إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ
فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا
جَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا
أثرت الكلمات في نفسي تأثيرا عاطفيا وشعرت بقوة غريبة في قلبي حتى سالت من عيني الدموع وكنت على يقين أن الله يخاطبني من خلال هذه الصفحات وأني قد اكتشفت معنى حياتي الذي كنت أبحث عنه. عُدت إلى إنكلترا مليئأً بالحماس والتصميم على الانغماس في ديني
عند عودتي إلى إنكلترا درست اللغة العربية والتأريخ الإسلامي في جامعة لندن وكان تخصصي تفسير القرآن والشعر الجاهلي، وقد كان من بين الأساتذة الذين تلقيت دروسًا عنهم الدكتور عبد الحليم صاحب الترجمة الشائعة للقرآن والدكتور "ديفيد كوان" المسلم الإنجليزي الذي كتب كتاباً مشهوراً عن قواعد اللغة العربية والدكتور "جون وانسبرو" مؤلف كتاب "الدراسات القرآنية". كنت حريصا على تعلم كل ما بوسعي عن الإسلام وأصبحتْ مكتبة الجامعة كبيتي الثاني وكنت أسهر للدراسة فيها حتى يطلب مني أُمناء المكتبة الخروج منها وقت الإغلاق. خلال السنة الثانية في الجامعة أصبحتُ رئيس الجمعية الإسلامية وقمت بإنشاء كشكٍ للكتب الإسلامية وحصلت على موافقة من سلطات الجامعة على إستخدام غرفةٍ للصلاةِ اليومية ولصلاةِ الجمعة
كنت حريصا أيضا على دعوة الناس إلى الإسلام خارج الجامعة وحضرت حلقات إسلامية في مساجد وبيوت وأصبحت أمير إحدى تلك الحلقات تسمى: جمعية الدعوة
ذات يوم دعاني أحد الأصدقاء لحضور إجتماع معروف ب"جماعة التبليغ" وهي حركة تهدف إلى إعادة المسلمين إلى الطريق الصحيح، عقد الاجتماع في مسجد شمال إنكلترا وأقمنا فيه لمدة أسبوعين ليلا ونهارا منعزلين عن المجتمع الدنيوي. قضينا كل يوم في الاستماع إلى محاضرات وفي الصلاة وقراءة القرآن، لم نخرج إلا لندعو بعض سكان المدينة إلى الحضور لاستماع المحاضرات . هذه التجربة أثَّرت فيَّ تأثيرا عميقا وعندما حان الوقت للعودة إلى بيتي أصبح همي كله مركزاً على الآخرة وعبادة الله وإقامة أوامره واجتناب نواهيه، فلم أؤدِّ الفرائض فقط بل بذلت أقصى جهدي لقيام بكل سنة ونافلة أيضا
تزامنت صحوة إيماني مع صحوة منتشرة بين المسلمين في إنكلترا في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، ومن دوافع تلك الصحوة عدة عوامل مثيرة في العالم الإسلامي حينذاك مثل الثورة الاسلامية في إيران والغزو السوفييتي لأفغانستان والغزو الإسرائيلي للبنان ومذبحةِ صبرا وشاتيلا، ولعل من أهم هذه العوامل تمويل الدعوة الاسلامية من قبل المملكة السعودية، الأمر الذي أدى إلى انتشار العقيدة السلفية في كل ركن من أركان العالم وظهور ظاهرة الطوائف السياسية مثل حركات الجهاد وحركات الخلافة
خلال هذه السنوات تزايد عدد المسلمين الراجعين إلى الإلتزام بدينهم وازدحمت حلقتنا "جمعية الدعوة" وقمنا بتنظيم أنشطة كثيرة منها رحلات التخييم وزيارات المتاحف وحفلات إفطار ونشر مجلة إسلامية قمتُ بتحريرها. في عام 1988 نشر سلمان رشدي روايته "الآيات الشيطانية"، لم أسمع عنها حتى حضر أحد أعضائنا جمعية الدعوة مع اقتباسات منها وبعد قراءتها قررنا أن نكتب رسائل للناشر نطالب بسحب الكتاب من البيع بسبب إساءته للرسول. أثارت القضية مشاعر المسلمين واهتمامهم بالشؤون السياسية واعتمد الكثير منهم سياسات أكثر عدوانية نتيجة لذلك. كان من بين الذين حضروا جمعيتَنا "فريد قاسم" المتحدث باسم حزب التحرير، كان يعتقد أنَّ الحل الوحيد للمشاكل التي تواجه الأمة هو إقامة الخلافة الإسلامية وكان له حماسة قوية لدرجة أنه ترك حزب التحرير لتأسيس حزب أكثر تشددًا يسمى "المهاجرون" مع زميله عمر بكري
يحث الإسلام على الزواج فهو يعد نصف الدين، لذلك كان يأتيني أحيانا من ينصحني بالزواج ومنهم سيدة مصرية يُطلق عليها "الأخت الشريفة"، والتي كانت دائما في المسجد "ريجنتس بارك" تعمل كوسيطة للزواج حيث كانت تقف عند مدخل المسجد تسأل كل فتاة عند دخولها "اِنتِ متجوزة؟" فإذا أجابت "لا" حاولت "الأخت الشريفة" أن تبحث عن شاب مناسب لها، هكذا هي جاءت الى منزل والدي يوما من الأيام بفتاة كانت باعتبارها مناسبة لي، فقابلنا أهلها وأعجبنا ببعضنا البعض ولم يمض وقت طويل حتى تزوجنا
رُزِقْتُ بخمسة أولاد ولكن توفيت بنتي "هدى" الرضيعة في المستشفى بعد أسبوع من ولادتها، الأمر الذي أصابني بألم شديد ولكن قلت لنفسي أن وراء كل بلاء حكمة ورحمة وربما السبب تقصيري في شيء فعزمت على أن أبذل كل جهدي لأحاول إصلاح عملي وعبادتي
بعد تخرجي من الجامعة أكملت دراسات عليا في التعليم وحصلت على وظيفة مدرس في المدرسة الإسلامية التي أسسها يوسف إسلام. كنتُ في ذروة إيماني خلال هذه الأيام وفي أكثر المراحل نشاطا في المجتمع البريطاني المسلم وقضيت خمسة عشر عامًا كمدرس في المدرسة الإسلامية وكتبت خلال ذلك الوقت روايتين للأطفال المسلمين ومجموعتين من المسرحيات الإسلامية مقتطفة من قصص تقليدية إسلامية
عندما التحقتُ بالمدرسة الإسلامية كان الشيخ فيصل هو إمام المدرسة ولكن تبين بعد قليل أن له آراء متعصبة ولذلك طلب منه مدير المدرسة الاستقالة، وانتقل إلى مسجد "بريكستون" حيث أصبح أكثر غُلُوّاً وألقى خطبا تحثّ على قتل الهندوس والمسيحيين واليهود والأميركيين. واتضح فيما بعد بأنه كان قد أثّر على أحد منفذي تفجيرات لندن الأمر الذي أدى إلى سجنه لمدة أربع سنوات. ثم بعد ذلك أصبح الشيخ أحمد بابكر إمام المدرسة وهو كان رجلا متواضعا روحانيا ينتمي لمذهب التصوف ولديه معرفة عميقة بالإسلام وأسلوب تعليمي جذاب وممتع
أحد أصدقائي أصبح سلفيًا متشددًا وبايع شيخا كان قد ادّعى أنه أمير المؤمنين، اسمه أبو عيسى الرفاعي المعروف بأبي همام وكان يلقي محاضراته في مسجد "غولبورن رود" حيث أمر أتباعه بالهجرة إلى أفغانستان، وأعطاني صديقي بياناً من هذا الشيخ وناشدني بالذهاب معه، لكن البيان كان مليئا بآراء متطرفة التي كنت أرفضها تماما، فرفع صديقي عينيه إلى السماء وصاح بصوت يرتجف "اللهم اشهد إني بلغت! اللهم اشهد إني بلغت!". لقد حاولت ردعه عن معتقداته المنحرفة ولكنه أبى إلا التمسك بها كأنّ عقله ممسوس بالجنون ثم سافر إلى أفغانستان ولم أسمع منه حتى عاد أحد أصحابه وأخبرني أن صديقي قد ذُبح هناك أثناء الاقتتال الطائفي بين جماعات الجهاد. أما الخليفة لقد هرب الى بريطانيا بعد هزيمته حيث عاد إلى إلقاء خطبه حتى وفاته عام 2014
أحد أصدقائي أصبح سلفيًا متشددًا وبايع شيخا كان قد ادّعى أنه أمير المؤمنين، اسمه أبو عيسى الرفاعي المعروف بأبي همام وكان يلقي محاضراته في مسجد "غولبورن رود" حيث أمر أتباعه بالهجرة إلى أفغانستان، وأعطاني صديقي بياناً من هذا الشيخ وناشدني بالذهاب معه، لكن البيان كان مليئا بآراء متطرفة التي كنت أرفضها تماما، فرفع صديقي عينيه إلى السماء وصاح بصوت يرتجف "اللهم اشهد إني بلغت! اللهم اشهد إني بلغت!". لقد حاولت ردعه عن معتقداته المنحرفة ولكنه أبى إلا التمسك بها كأنّ عقله ممسوس بالجنون ثم سافر إلى أفغانستان ولم أسمع منه حتى عاد أحد أصحابه وأخبرني أن صديقي قد ذُبح هناك أثناء الاقتتال الطائفي بين جماعات الجهاد. أما الخليفة لقد هرب الى بريطانيا بعد هزيمته حيث عاد إلى إلقاء خطبه حتى وفاته عام 2014
أتذكر يوم الحادي عشر من سبتمبر كنت أدرّس في المدرسة الإسلامية عندما جاءت أخبار الهجمات على أمريكا، تم إغلاق المدرسة مبكراً بسبب تهديدات تلقتها من جهات مجهولة. كان هناك صمت غريب في الشوارع أثناء رجوعي إلى الدار، وسألت نفسي كيف يمكن لأي مسلم أن يرتكب هذه الجريمة الفظيعة باسم الله؟ كيف يمكن للمسلم أن يسيءَ فهمَ الإسلام إلى هذا الحد؟
كان رد فعلي الغريزي أنه ليس هناك أي علاقة بين أفعال هؤلاء الإرهابيين ودين الإسلام إطلاقا، وأن الإسلام بريء منهم، إما أن لهم فهماً خاطئا أو أنهم يستخدمون الإسلام لأغراضهم الفاسدة فحسب، ولا بد من أن الدافع وراء جريمتِهم هو مظالم سياسية أو اقتصادية، أو لعلهم يعانون من مرض نفسي. ولكن كثيرا من زملائي وأصدقائي زعموا أن الذين وراء هذه الجريمة هم الصهاينة وأمريكا
نحن المسلمون نحب نظريات المؤامرة ونصدقها بسهولة وبدون دليل، سواء كانت نظرية أن العالم تحت سيطرة المعبد الماسوني أو نظرية أن عبارة "كوكا كولا" عند قلبها تقول "لا محمد لا مكة"، ولكنها في الحقيقة تدل على الشعور بالعجز وعدم السيطرة على حياتنا، فإن نظريات المؤامرة تنتشر في أوقات الضعف والخوف وعندما يكون من الصعب مواجهة الواقع المرير، فنلجأ إلى الإيمان بمؤامرات لتهدئة أعصابنا ولحماية معتقداتنا
ولكن الأمر الذي صدمني حقًا هو أن بعض الأصدقاء حاولوا أن يبرروا ويدافعوا عن هذه الهجمات بحجة أن الضحايا ليسوا أبرياء لأنهم صوتوا للنظام الكافر الذي يقتل المسلمين
على الرغم من أنني حاولت إبعاد الإسلام عن تصرفات جماعات مثل القاعدة فقد أدركت أن هناك معضلة لا نريد أن نعترف بها، وهي أن النصوص الإسلامية نفسها تخضع لتفسيرات متناقضة، كان صحيحا أن تفسير هذه الجماعات المتطرفة لا يمثل التفسير الوحيد ولكن ليس من الصحيح نفي علاقته بالإسلام تماما
جاء أحد أصدقائي بأدلة من القرآن والسنة لتأييد الهجمات، طبعا انا رفضت آرائه باعتبارها تحريفًا للإسلام. ولكن صديقي هذا كان عالما بعلوم الدين، فإنني استغربت من كونه على يقين مطلق أنه على الحق في الدفاع عن هذه الهجمات، وقد جعلني هذا أن أتساءل عما إذا كنتُ أنا أيضًا موقِناً تماماً بمعتقدات قد تكون خاطئة؟
كانت هناك أيضًا أحداث في حياتي الشخصية أخرجتني من منطقة الراحة وأجبرتني على مراجعة حياتي ومعتقداتي، بما في ذلك انهيار لعلاقة الزواج، ولكن الضربة الكبرى كانت مرض ابني الأكبر، كان قد خالط بعض الشباب الذين كانوا يدخنون الحشيش وللأسف الشديد أصبح مريضا جدا ويعاني حتى الآن من مرض فصام الشخصية
قمت كل الليل أصلي وأتوسل إلى الله أن يشفي ولدي كما كنت أتوسل إليه أن يشفي ابنتي "هدى" قبل وفاتها ولكن مرة أخرى لم تلق أَدعيتي آذاناً صاغية رغم ما قيل في القرآن "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" و"يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ". فتعزّيت بالتعليلات المعتادة التي نستخدمها نحن المسلمون في أوقات كهذه، أولها أنه اختبار "ليبلوكم أيكم أحسن عملا" وسوف يجازينا الله على الصبر، وأن الله يعطينا ما نحتاج إليه وليس ما نريد، وفيه حكمة لا نراها وأنّ العيب فيّ أنا كما يقول القرآن "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" فلا بد من أنني أهملت بعض الواجبات، فليس لي إلا أن أكون صابرا وشاكرا في السرّاء والضرّاء
غير أنني كنت أتذكر أن القرآن يسخر من المشركين لعبادتهم آلهة لا يجيبون لهم، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لّا يَسْتَجِيبُ لَهُ}، و{قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً}، سألت نفسي هل يستجيب الله الدعاء فعلا؟ هل يكشف الضُّرّ والمصائب؟ لماذا نقبل تعليلات كثيرة لعدم إجابة الله ولا نقبل لعدم إجابة آلهة الديانات الاخرى غير تعليل واحد وهو بطلانها؟ هل هناك فرق ملموس بين الدعاء الى الله وبين الدعاء الى اللاَّتَ وَالْعُزَّى أو الدعاء الى المسيح ومريم العذراء أو الدعاء الى كريشنا أو غانيشا؟
كنت في المدرسة الاسلامية يوم تفجيرات لندن عام 2005 ومرة أخرى أسرع الكثير الى نظريات المؤامرة والبعض الى تبريرات كما يفعلون عند كل هجوم إرهابي، إنهم ينتهزون أي فرصة لتجنب نسبة الإشكاليات إلى النصوص الإسلامية
على الرغم من المسائل الكثيرة التي أزعجتني قد كنت حتى ذلك الوقت متأكدا من أن الإسلام هو الدين الحق لكنني بدأت أستعرض نص القرآن بطريقة نقدية وليس بطريقة التعبد التي لا تنظر إلى القرآن إلا من خلال عدسات الإيمان، وتدريجيا رأيته في ضوء جديد
من أكثر الأمور التي ضايقتني هي فكرة التعذيب المؤبد في النار، وقد وصفها القرآن بأنها دار أبشع أنواع التعذيب وحشيةً وقسوةً الذي لا يُخَفَّف لحظةً ولا ينقطع أبدا
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ
قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ
وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ
سُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ
لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ
وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
ما ذنب الفرد الذي لم يقنعه الإسلام؟ ألا يتناقض هذا التعذيب الأبدي مع العدالة والعقل فضلا عن الرحمة؟
تواجه البشر ادّعاءات كثيرة من قبل الديانات وليس منها شيء قاطع، فالإيمان يتوقف على عوامل متنوعة مثل الأسرة والبيئة والتعليم والتحيزات الثقافية إلى آخره وليس له علاقة بصلاح الفرد أو فساده ، فكيف صح إذن تعذيب من لم يرتكب أي جريمة وليس له قدرة كاملة على ما يؤمن به وما لا يؤمن به؟
يقول القرآن أن الله أرحم الراحمين وأن رحمته وسعت كل شيء، ولكن أين هذه الرحمة؟ والله تحيرت من كلمة "الرحمة" المترددة في القرآن، هل معناها عند الله يختلف عن معناها عند الناس؟
يقال أن رحمة الله عامة في الدنيا ولكنها خاصة للمؤمنين في الآخرة، حسنا، إذا كان هذا هو الحال فإن رحمته لم تسع كل شيء إذن، إنها مفقودة عند أشد الحاجة إليها وعندما هي تحمل الأهمية الحقيقية
لقد أوضح علماء النفس الجنائي أن العقوبة لا ينبغي أن تكون مجرد انتقام فقط، بل يجب أن يكون لها هدف مثل الإصلاح أو العلاج ولكن ما هو هدف تعذيب الكفار بلا نهاية؟ اذا كان في قلوبهم مرض كما يقول القرآن فلماذا لم يشفهم الله؟ يقال أن الذين مصيرهم جهنم لا يمكن إصلاحهم أبدًا كما يقول القرآن "وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ"، ولكن أليس اللَّهَ "عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"؟ وإذا الله هو أرحم الراحمين حقا لماذا لم يقضِ عليهم على الأقل؟ ما هي الفائدة من إبقائهم على قيد الحياة لكي يتعذبوا ألى أبد الآباد؟
أذكر أن الشيخ الزنداني قال في إحدى محاضراته أن الكافر يستحق عذابا مؤبدا لأنه مات على نيّة أنه لو عاش أبدا لكفر بالله أبدا ولكن مهما كانت نية الفرد عند موته فإنّ نيته قد تتغير إذا طال أمد حياته، قد يصبح الكافر مؤمنا وقد يصبح المؤمن كافرا، إذن العذاب المؤبد ليس بسبب نيته عند موته بل بسبب علم الله أن نيته سوف لن تتغير ولو عاش أبدا، وقد علم الله ذلك من البداية، فإذا كان علم الله سبب البقاء المؤبد في النار وليس السبب أعمالنا المحدودة فما المعنى من هذه الحياة إذن؟ أليس الله بعيدا عن العبث؟
كنت أقول دائما أن أوصاف جهنم في القرآن هي مجرد استعارات ويجب ألا تُفهم حرفيا، ولكن سواء كانت تلك الاوصاف استعارات أو لا - فالنتيجة هي نفسها تمامًا: عقاب يتسبب في معاناة مؤبدة سواء كان جسديًا أو عقليًا أو روحيًا
كان رد فعلي الغريزي أنه ليس هناك أي علاقة بين أفعال هؤلاء الإرهابيين ودين الإسلام إطلاقا، وأن الإسلام بريء منهم، إما أن لهم فهماً خاطئا أو أنهم يستخدمون الإسلام لأغراضهم الفاسدة فحسب، ولا بد من أن الدافع وراء جريمتِهم هو مظالم سياسية أو اقتصادية، أو لعلهم يعانون من مرض نفسي. ولكن كثيرا من زملائي وأصدقائي زعموا أن الذين وراء هذه الجريمة هم الصهاينة وأمريكا
نحن المسلمون نحب نظريات المؤامرة ونصدقها بسهولة وبدون دليل، سواء كانت نظرية أن العالم تحت سيطرة المعبد الماسوني أو نظرية أن عبارة "كوكا كولا" عند قلبها تقول "لا محمد لا مكة"، ولكنها في الحقيقة تدل على الشعور بالعجز وعدم السيطرة على حياتنا، فإن نظريات المؤامرة تنتشر في أوقات الضعف والخوف وعندما يكون من الصعب مواجهة الواقع المرير، فنلجأ إلى الإيمان بمؤامرات لتهدئة أعصابنا ولحماية معتقداتنا
ولكن الأمر الذي صدمني حقًا هو أن بعض الأصدقاء حاولوا أن يبرروا ويدافعوا عن هذه الهجمات بحجة أن الضحايا ليسوا أبرياء لأنهم صوتوا للنظام الكافر الذي يقتل المسلمين
على الرغم من أنني حاولت إبعاد الإسلام عن تصرفات جماعات مثل القاعدة فقد أدركت أن هناك معضلة لا نريد أن نعترف بها، وهي أن النصوص الإسلامية نفسها تخضع لتفسيرات متناقضة، كان صحيحا أن تفسير هذه الجماعات المتطرفة لا يمثل التفسير الوحيد ولكن ليس من الصحيح نفي علاقته بالإسلام تماما
جاء أحد أصدقائي بأدلة من القرآن والسنة لتأييد الهجمات، طبعا انا رفضت آرائه باعتبارها تحريفًا للإسلام. ولكن صديقي هذا كان عالما بعلوم الدين، فإنني استغربت من كونه على يقين مطلق أنه على الحق في الدفاع عن هذه الهجمات، وقد جعلني هذا أن أتساءل عما إذا كنتُ أنا أيضًا موقِناً تماماً بمعتقدات قد تكون خاطئة؟
كانت هناك أيضًا أحداث في حياتي الشخصية أخرجتني من منطقة الراحة وأجبرتني على مراجعة حياتي ومعتقداتي، بما في ذلك انهيار لعلاقة الزواج، ولكن الضربة الكبرى كانت مرض ابني الأكبر، كان قد خالط بعض الشباب الذين كانوا يدخنون الحشيش وللأسف الشديد أصبح مريضا جدا ويعاني حتى الآن من مرض فصام الشخصية
قمت كل الليل أصلي وأتوسل إلى الله أن يشفي ولدي كما كنت أتوسل إليه أن يشفي ابنتي "هدى" قبل وفاتها ولكن مرة أخرى لم تلق أَدعيتي آذاناً صاغية رغم ما قيل في القرآن "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" و"يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ". فتعزّيت بالتعليلات المعتادة التي نستخدمها نحن المسلمون في أوقات كهذه، أولها أنه اختبار "ليبلوكم أيكم أحسن عملا" وسوف يجازينا الله على الصبر، وأن الله يعطينا ما نحتاج إليه وليس ما نريد، وفيه حكمة لا نراها وأنّ العيب فيّ أنا كما يقول القرآن "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" فلا بد من أنني أهملت بعض الواجبات، فليس لي إلا أن أكون صابرا وشاكرا في السرّاء والضرّاء
غير أنني كنت أتذكر أن القرآن يسخر من المشركين لعبادتهم آلهة لا يجيبون لهم، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لّا يَسْتَجِيبُ لَهُ}، و{قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً}، سألت نفسي هل يستجيب الله الدعاء فعلا؟ هل يكشف الضُّرّ والمصائب؟ لماذا نقبل تعليلات كثيرة لعدم إجابة الله ولا نقبل لعدم إجابة آلهة الديانات الاخرى غير تعليل واحد وهو بطلانها؟ هل هناك فرق ملموس بين الدعاء الى الله وبين الدعاء الى اللاَّتَ وَالْعُزَّى أو الدعاء الى المسيح ومريم العذراء أو الدعاء الى كريشنا أو غانيشا؟
كنت في المدرسة الاسلامية يوم تفجيرات لندن عام 2005 ومرة أخرى أسرع الكثير الى نظريات المؤامرة والبعض الى تبريرات كما يفعلون عند كل هجوم إرهابي، إنهم ينتهزون أي فرصة لتجنب نسبة الإشكاليات إلى النصوص الإسلامية
على الرغم من المسائل الكثيرة التي أزعجتني قد كنت حتى ذلك الوقت متأكدا من أن الإسلام هو الدين الحق لكنني بدأت أستعرض نص القرآن بطريقة نقدية وليس بطريقة التعبد التي لا تنظر إلى القرآن إلا من خلال عدسات الإيمان، وتدريجيا رأيته في ضوء جديد
من أكثر الأمور التي ضايقتني هي فكرة التعذيب المؤبد في النار، وقد وصفها القرآن بأنها دار أبشع أنواع التعذيب وحشيةً وقسوةً الذي لا يُخَفَّف لحظةً ولا ينقطع أبدا
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ
قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ
وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ
سُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ
لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ
وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
ما ذنب الفرد الذي لم يقنعه الإسلام؟ ألا يتناقض هذا التعذيب الأبدي مع العدالة والعقل فضلا عن الرحمة؟
تواجه البشر ادّعاءات كثيرة من قبل الديانات وليس منها شيء قاطع، فالإيمان يتوقف على عوامل متنوعة مثل الأسرة والبيئة والتعليم والتحيزات الثقافية إلى آخره وليس له علاقة بصلاح الفرد أو فساده ، فكيف صح إذن تعذيب من لم يرتكب أي جريمة وليس له قدرة كاملة على ما يؤمن به وما لا يؤمن به؟
يقول القرآن أن الله أرحم الراحمين وأن رحمته وسعت كل شيء، ولكن أين هذه الرحمة؟ والله تحيرت من كلمة "الرحمة" المترددة في القرآن، هل معناها عند الله يختلف عن معناها عند الناس؟
يقال أن رحمة الله عامة في الدنيا ولكنها خاصة للمؤمنين في الآخرة، حسنا، إذا كان هذا هو الحال فإن رحمته لم تسع كل شيء إذن، إنها مفقودة عند أشد الحاجة إليها وعندما هي تحمل الأهمية الحقيقية
لقد أوضح علماء النفس الجنائي أن العقوبة لا ينبغي أن تكون مجرد انتقام فقط، بل يجب أن يكون لها هدف مثل الإصلاح أو العلاج ولكن ما هو هدف تعذيب الكفار بلا نهاية؟ اذا كان في قلوبهم مرض كما يقول القرآن فلماذا لم يشفهم الله؟ يقال أن الذين مصيرهم جهنم لا يمكن إصلاحهم أبدًا كما يقول القرآن "وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ"، ولكن أليس اللَّهَ "عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"؟ وإذا الله هو أرحم الراحمين حقا لماذا لم يقضِ عليهم على الأقل؟ ما هي الفائدة من إبقائهم على قيد الحياة لكي يتعذبوا ألى أبد الآباد؟
أذكر أن الشيخ الزنداني قال في إحدى محاضراته أن الكافر يستحق عذابا مؤبدا لأنه مات على نيّة أنه لو عاش أبدا لكفر بالله أبدا ولكن مهما كانت نية الفرد عند موته فإنّ نيته قد تتغير إذا طال أمد حياته، قد يصبح الكافر مؤمنا وقد يصبح المؤمن كافرا، إذن العذاب المؤبد ليس بسبب نيته عند موته بل بسبب علم الله أن نيته سوف لن تتغير ولو عاش أبدا، وقد علم الله ذلك من البداية، فإذا كان علم الله سبب البقاء المؤبد في النار وليس السبب أعمالنا المحدودة فما المعنى من هذه الحياة إذن؟ أليس الله بعيدا عن العبث؟
كنت أقول دائما أن أوصاف جهنم في القرآن هي مجرد استعارات ويجب ألا تُفهم حرفيا، ولكن سواء كانت تلك الاوصاف استعارات أو لا - فالنتيجة هي نفسها تمامًا: عقاب يتسبب في معاناة مؤبدة سواء كان جسديًا أو عقليًا أو روحيًا
تكاثرت الأسئلة لديّ وتراكمت الشكوك، ومن بينها الآية التالية من سورة النساء: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ
هل هذا حقاً كلام حكيمٍ عليم؟ هل تأديب الزوجة بالضرب من الأسرار الإلهية المنزلة من السماء؟
لقد اتفق علماء النفس على أن ضرب الزوجة سلوك غير مقبول تماماً وليس وسيلة ناجحة لحل مشاكل الزواج، بالعكس قد يسبب أضرارًا جسدية ونفسية بالإضافة إلى كونه مهينًا للغاية وحتى لو كان "ضربا غير مبرح" كما قيل في الحديث
أما القول بأن المعنى مجرد لمسة خفيفة بالسواك فإنه يُحوِّل مسألة جدية إلى مهزلة سخيفة. تصور المشهد - زوج يقول لزوجته "حبيبتي أنا حاولت الوعظ وحاولت الهجر ولكن بلا فائدة، الآن أريد منك أن تقفي هنا لحظةً بينما أقوم بلمسات خفيفة بهذا السواك على كتفك". إنه قمة السخافة!! لقد حاولت عدة مرات أن أشرح تلك الآية لكي يطمئن قلبي، لكن لم يكن لدي خيار سوى أن أكون صادقا مع نفسي. لم أستطع أن أصدق أن هذا كلام خالق الكون
لم يعد بإمكاني أن أتجاهل الآيات الأخرى الكثيرة التي سببت لي الاضطراب مثل تلك التي تسمح بامتلاك العبيد والجواري ووطئهن أو تنص على عقوبات مثل الجلد وقطع اليد أو تتضمن قِصَصا تناقض العقل مثل قصة يأجوج ومأجوج المحصورين تحت ردم الى يوم الدين، وسليمان وحيواناته التي تستطيع التحدث والجن الذين لم يكونوا يعلمون أن سليمان قد مات حتى أكلت أَرَضَةٌ عصاه فسقط، والحوت الذي ابتلع يونس، والطيور التي هزمت جيشا بالحجارة، وخلق آدم وحواء الذي يتعارض مع الأدلة العلمية وقصة ذو القرنين التي تشبه أساطير إسكندر الملفقة. لقد شعرت كأنني استيقظت من نوم طويل
كان الدليل الأكبر على أن الإسلام هو الدين الحق عند المسلمين هو إعجاز القرآن البياني، ولكن الآن سألت نفسي أين هذه الإعجاز؟ ما رأيت إلا كلمات بشرية. القرآن ليس على مستوى واحد، فيه مقاطع جميلة وفيه مقاطع غير جميلة، ولكنني لا أرى شيئا فيه أستطيع أن أقول بكل صدق أنه خارج قدرة البشر
يقول القرآن "وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ"، نعم أنا في ريبٍ وفعلا لا أستطيع على الإتيان بمثله ولكن هل هذا يعني أنه من عند الله؟ أنا لست أستطيع أيضا الإتيان بمثل مسرحيات شكسبير أو شعر هوميروس أو روايات تولستوي، هل هذا دليل بأنها من عند الله؟
لكل مؤلف أسلوبه الفريد وزمانه المعين وبيئته الخاصة، فإذا كان التحدي هو الإتيان بمؤلفاتهم بالضبط فهذا مستحيل مهما كان الكاتب، أما إذا كان التحدي هو الإتيان بمؤلفات أحسن منها فهذا التحدي مسألة رأي يشبه القول: "زوجتي أجمل امرأة في الدنيا فأتوا بمثلها إن كنتم صادقين"، إنه خاضع لعوامل كثيرة التي تؤثر في رؤيتنا تأثيرا عميقا مثل الارتباط العاطفي والانحياز التأكيدي
حتى في زمن محمد كان كثير من العرب لم يعتبروا القرآن معجزةً واستهزأوا منه ولم يدخلوا الإسلام إلا بعد الحروب العنيفة. وكذلك في العصر الذهبي للإسلام كان بعض العلماء والأدباء لم يؤمنوا بإعجاز القرآن
كثيرا ما يقال أنه لا يمكن إنكار إعجاز القرآن بدون علم عميق بالنحو والصرف والبلاغة، ولكن إذا كان هذا صحيحًا فإن العكس صحيح أيضًا فلا يمكن الإيمان بإعجاز القرآن بدون علم عميق بالنحو والصرف والبلاغة، ولكن معظم المسلمين لا يفهمون اللغة العربية فضلا عن لطائف البلاغة، إيمانهم لا يعتمد على معرفتهم الشخصية. رغم ذلك فإن كل مسلم مهما كانت لغته أو مستوى تعليمه متيقن بأن القرآن معجزة تتجاوز قدرة البشر
الحقيقة هي أن الإيمان له تأثير قوي في كيفية معالجة المعلومات لأن الإنسان له ميل غريزي لقبول المعلومات التي تتوافق مع معتقداته بينما لا يولي انتباهًا مماثلًا للمعلومات المناقضة لها، وتُعرَف هذه الظاهرة بالإنحياز التأكيدي
أما الإعجاز "العلمي" المنتشر في يومنا هذا فلما بحثت فيها سرعان ما أدركت أنه لم يكن إلا وهماً وهراءً، وحتى العلماء العظماء خلال العصر الذهبي للإسلام لم يقدموا مثل هذه الإدعاءات
في عام 2006 ، تضاءل إيماني إلى الحد الذي لم يكن لدي فيه خيار سوى تسليم استقالتي إلى المدرسة الإسلامية. وحصلت على وظيفة للتدريس عبر الإنترنت، الأمر الذي أتاح لي القيام برعاية أولادي وأمي العجوز التي كانت تعاني من مرض الزهايمَر
حاولت أن أنسى كل شكوكي وأن أشغل نفسي بواجباتي اليومية لكني لم أكن ألحظ أن الكآبة أصابتني وأنها تزداد شيئا فشيئا، وبعد ثلاث سنوات ذهبت إلى الطبيبة فوصفت لي حبوبا مضادة للاكتئاب، ولكن تلك الحبوب تسببت لي بمحاولة للانتحار. كانت أسوأ لحظة في حياتي وصدمة لعائلتي التي لم تكن تعرف أنني أمرّ بظروف صعبة إلى هذا الحد فجاؤوا للتخفيف من بعض أعبائي التي كنت أحملها بمفردي وأصر أخي على إقامتي معه فترة في مزرعته في الريف
منحتني إقامتي في الريف الفرصة للتفكير والتأمل، وأدركت أن فقدان الإيمان بالإسلام له مراحل. أولها الانكار والإصرار على أنه لا توجد مشكلة فإن الإسلام هو الدين المثالي الكامل الذي يخلو من أي إشكالية، المرحلة الثانية هي الغضب واللوم، الغضب من منتقدي الإسلام وإلقاء اللوم على الآخرين، المرحلة الثالثة هي الميل إلي حركات الإصلاح الإسلامي التي تدعو إلى فهم جديد عن طريق إعادة تفسير القرآن، المرحلة الرابعة هي الاكتئاب ومشاعر انعدام وجود هدف للحياة، ثم المرحلة الأخيرة هي قبول الواقع والتعامل مع الوضع الجديد
لا أعرف الإجابات عن الأسئلة الكبرى مثل ما معنى الحياة وهل يوجد إله أم لا، ولكن أعرف أنني لم أعد أؤمن بالإسلام ولا بأي دين، في نظري الأديان كلها من صنع الإنسان. هذا لا يعني أنني أكره المسلمين، بالعكس، لديّ تعاطف هائل نحوهم وانا أعلم أن أغلبية المؤمنين محبون للسلام والخير وأعلم أن الأديان تمنح الراحة للملايين من الناس، ولكن على الرغم من أنني لست ضد الديانات إلا أنني أدعو لعدم تدخل الدين في حياة الفرد وأدعو لحرية التفكير وحرية الضمير وحق الإنسان في اختيار ما يؤمن به وما لا يؤمن به دون عقوبات أو تهديدات أو ضغط الديانات، إن معتقدات الفرد هي بينه وبين ربه ويجب ألا تُفرض على الآخرين
يجد الإنسان الراحة في اليقين ولا يحب أن يعترف بجهله ولكن كما قال الفيلسوف فولتير "الشك ليس وضعا مريحا، ولكنَّ اليقين سُخْف" فإن المسائل الغيبية لا يمكن معرفتها قطعا، لذلك اخترع البشر الأديان لمنحهم اليقين وراحة البال في عالم مليء بالمخاطر والمخاوف، ولكن إذا كان هناك إله حكيم حقًا فلن يعاقبنا لعدم الإيمان بما لا نستطيع الإيمان به، بل يريد منّا أن نكون صادقين مع أنفسنا
منذ صرحت بعدم إيماني بالإسلام جهرا اتهمني الكثير بالإساءة إلى الله ولكنني أسألك بصدق من هو الذي يرتكب الإساءة حقًا؟ الذي يقول أن أرحم الراحمين يعذّب مخلوقاته تعذيبا بلا نهاية؟ أو الذي يقول إذا كان هناك إله فلا بد أن يكون أعلى وأعظم من ذلك؟
هل هذا حقاً كلام حكيمٍ عليم؟ هل تأديب الزوجة بالضرب من الأسرار الإلهية المنزلة من السماء؟
لقد اتفق علماء النفس على أن ضرب الزوجة سلوك غير مقبول تماماً وليس وسيلة ناجحة لحل مشاكل الزواج، بالعكس قد يسبب أضرارًا جسدية ونفسية بالإضافة إلى كونه مهينًا للغاية وحتى لو كان "ضربا غير مبرح" كما قيل في الحديث
أما القول بأن المعنى مجرد لمسة خفيفة بالسواك فإنه يُحوِّل مسألة جدية إلى مهزلة سخيفة. تصور المشهد - زوج يقول لزوجته "حبيبتي أنا حاولت الوعظ وحاولت الهجر ولكن بلا فائدة، الآن أريد منك أن تقفي هنا لحظةً بينما أقوم بلمسات خفيفة بهذا السواك على كتفك". إنه قمة السخافة!! لقد حاولت عدة مرات أن أشرح تلك الآية لكي يطمئن قلبي، لكن لم يكن لدي خيار سوى أن أكون صادقا مع نفسي. لم أستطع أن أصدق أن هذا كلام خالق الكون
لم يعد بإمكاني أن أتجاهل الآيات الأخرى الكثيرة التي سببت لي الاضطراب مثل تلك التي تسمح بامتلاك العبيد والجواري ووطئهن أو تنص على عقوبات مثل الجلد وقطع اليد أو تتضمن قِصَصا تناقض العقل مثل قصة يأجوج ومأجوج المحصورين تحت ردم الى يوم الدين، وسليمان وحيواناته التي تستطيع التحدث والجن الذين لم يكونوا يعلمون أن سليمان قد مات حتى أكلت أَرَضَةٌ عصاه فسقط، والحوت الذي ابتلع يونس، والطيور التي هزمت جيشا بالحجارة، وخلق آدم وحواء الذي يتعارض مع الأدلة العلمية وقصة ذو القرنين التي تشبه أساطير إسكندر الملفقة. لقد شعرت كأنني استيقظت من نوم طويل
كان الدليل الأكبر على أن الإسلام هو الدين الحق عند المسلمين هو إعجاز القرآن البياني، ولكن الآن سألت نفسي أين هذه الإعجاز؟ ما رأيت إلا كلمات بشرية. القرآن ليس على مستوى واحد، فيه مقاطع جميلة وفيه مقاطع غير جميلة، ولكنني لا أرى شيئا فيه أستطيع أن أقول بكل صدق أنه خارج قدرة البشر
يقول القرآن "وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ"، نعم أنا في ريبٍ وفعلا لا أستطيع على الإتيان بمثله ولكن هل هذا يعني أنه من عند الله؟ أنا لست أستطيع أيضا الإتيان بمثل مسرحيات شكسبير أو شعر هوميروس أو روايات تولستوي، هل هذا دليل بأنها من عند الله؟
لكل مؤلف أسلوبه الفريد وزمانه المعين وبيئته الخاصة، فإذا كان التحدي هو الإتيان بمؤلفاتهم بالضبط فهذا مستحيل مهما كان الكاتب، أما إذا كان التحدي هو الإتيان بمؤلفات أحسن منها فهذا التحدي مسألة رأي يشبه القول: "زوجتي أجمل امرأة في الدنيا فأتوا بمثلها إن كنتم صادقين"، إنه خاضع لعوامل كثيرة التي تؤثر في رؤيتنا تأثيرا عميقا مثل الارتباط العاطفي والانحياز التأكيدي
حتى في زمن محمد كان كثير من العرب لم يعتبروا القرآن معجزةً واستهزأوا منه ولم يدخلوا الإسلام إلا بعد الحروب العنيفة. وكذلك في العصر الذهبي للإسلام كان بعض العلماء والأدباء لم يؤمنوا بإعجاز القرآن
كثيرا ما يقال أنه لا يمكن إنكار إعجاز القرآن بدون علم عميق بالنحو والصرف والبلاغة، ولكن إذا كان هذا صحيحًا فإن العكس صحيح أيضًا فلا يمكن الإيمان بإعجاز القرآن بدون علم عميق بالنحو والصرف والبلاغة، ولكن معظم المسلمين لا يفهمون اللغة العربية فضلا عن لطائف البلاغة، إيمانهم لا يعتمد على معرفتهم الشخصية. رغم ذلك فإن كل مسلم مهما كانت لغته أو مستوى تعليمه متيقن بأن القرآن معجزة تتجاوز قدرة البشر
الحقيقة هي أن الإيمان له تأثير قوي في كيفية معالجة المعلومات لأن الإنسان له ميل غريزي لقبول المعلومات التي تتوافق مع معتقداته بينما لا يولي انتباهًا مماثلًا للمعلومات المناقضة لها، وتُعرَف هذه الظاهرة بالإنحياز التأكيدي
أما الإعجاز "العلمي" المنتشر في يومنا هذا فلما بحثت فيها سرعان ما أدركت أنه لم يكن إلا وهماً وهراءً، وحتى العلماء العظماء خلال العصر الذهبي للإسلام لم يقدموا مثل هذه الإدعاءات
في عام 2006 ، تضاءل إيماني إلى الحد الذي لم يكن لدي فيه خيار سوى تسليم استقالتي إلى المدرسة الإسلامية. وحصلت على وظيفة للتدريس عبر الإنترنت، الأمر الذي أتاح لي القيام برعاية أولادي وأمي العجوز التي كانت تعاني من مرض الزهايمَر
حاولت أن أنسى كل شكوكي وأن أشغل نفسي بواجباتي اليومية لكني لم أكن ألحظ أن الكآبة أصابتني وأنها تزداد شيئا فشيئا، وبعد ثلاث سنوات ذهبت إلى الطبيبة فوصفت لي حبوبا مضادة للاكتئاب، ولكن تلك الحبوب تسببت لي بمحاولة للانتحار. كانت أسوأ لحظة في حياتي وصدمة لعائلتي التي لم تكن تعرف أنني أمرّ بظروف صعبة إلى هذا الحد فجاؤوا للتخفيف من بعض أعبائي التي كنت أحملها بمفردي وأصر أخي على إقامتي معه فترة في مزرعته في الريف
منحتني إقامتي في الريف الفرصة للتفكير والتأمل، وأدركت أن فقدان الإيمان بالإسلام له مراحل. أولها الانكار والإصرار على أنه لا توجد مشكلة فإن الإسلام هو الدين المثالي الكامل الذي يخلو من أي إشكالية، المرحلة الثانية هي الغضب واللوم، الغضب من منتقدي الإسلام وإلقاء اللوم على الآخرين، المرحلة الثالثة هي الميل إلي حركات الإصلاح الإسلامي التي تدعو إلى فهم جديد عن طريق إعادة تفسير القرآن، المرحلة الرابعة هي الاكتئاب ومشاعر انعدام وجود هدف للحياة، ثم المرحلة الأخيرة هي قبول الواقع والتعامل مع الوضع الجديد
لا أعرف الإجابات عن الأسئلة الكبرى مثل ما معنى الحياة وهل يوجد إله أم لا، ولكن أعرف أنني لم أعد أؤمن بالإسلام ولا بأي دين، في نظري الأديان كلها من صنع الإنسان. هذا لا يعني أنني أكره المسلمين، بالعكس، لديّ تعاطف هائل نحوهم وانا أعلم أن أغلبية المؤمنين محبون للسلام والخير وأعلم أن الأديان تمنح الراحة للملايين من الناس، ولكن على الرغم من أنني لست ضد الديانات إلا أنني أدعو لعدم تدخل الدين في حياة الفرد وأدعو لحرية التفكير وحرية الضمير وحق الإنسان في اختيار ما يؤمن به وما لا يؤمن به دون عقوبات أو تهديدات أو ضغط الديانات، إن معتقدات الفرد هي بينه وبين ربه ويجب ألا تُفرض على الآخرين
يجد الإنسان الراحة في اليقين ولا يحب أن يعترف بجهله ولكن كما قال الفيلسوف فولتير "الشك ليس وضعا مريحا، ولكنَّ اليقين سُخْف" فإن المسائل الغيبية لا يمكن معرفتها قطعا، لذلك اخترع البشر الأديان لمنحهم اليقين وراحة البال في عالم مليء بالمخاطر والمخاوف، ولكن إذا كان هناك إله حكيم حقًا فلن يعاقبنا لعدم الإيمان بما لا نستطيع الإيمان به، بل يريد منّا أن نكون صادقين مع أنفسنا
منذ صرحت بعدم إيماني بالإسلام جهرا اتهمني الكثير بالإساءة إلى الله ولكنني أسألك بصدق من هو الذي يرتكب الإساءة حقًا؟ الذي يقول أن أرحم الراحمين يعذّب مخلوقاته تعذيبا بلا نهاية؟ أو الذي يقول إذا كان هناك إله فلا بد أن يكون أعلى وأعظم من ذلك؟
جِئْتُ، لا أعلَمُ مِن أيْنَ، ولكنِّي أتَيْتُ
وَلَقَدْ أبصَرتُ قُدَّامي طَريقاً فَمَشَيْتُ
وسَأبقى مَاشِياً إن شِئتُ هذا أمْ أبَيْتُ
كيفَ جِئتُ؟ كيفَ أبصَرْتُ طريقي؟
!لَستُ أدري
(إيليا أبو ماضي)
وَلَقَدْ أبصَرتُ قُدَّامي طَريقاً فَمَشَيْتُ
وسَأبقى مَاشِياً إن شِئتُ هذا أمْ أبَيْتُ
كيفَ جِئتُ؟ كيفَ أبصَرْتُ طريقي؟
!لَستُ أدري
(إيليا أبو ماضي)